٠٤‏/٠٨‏/٢٠١٥

دارية على عتبة الباب المفتوح

أحيانًا لا يستطيع أن يفهم المرأة ومشكلاتها إلا امرأة مثلها، لهذا فإن صورة المرأة في الأدب النسائي هي الأدق سواء كاتبات الجيل القديم مثل لطيفة الزيات وفتحية العسال، أو جيل الوسط مثل رضوى عاشور ثم سحر الموجي وميرال الطحاوي، أو كاتبات كثر الآن.

ربما نختلف أحيانًا مع رؤاهن، خاصة بعد الثورة إذ لم تستطع معظمهن أن يدركن مشكلات كل شرائح المجتمع النسائي في مصر وما يعانيه من نضال لأجل البلاد عدا رضوى عاشور التي استطاعت رغم فارق العمر بينها وبين الشباب أن تفهم جيل الشباب وأحلامه شبابًا كان أم إناثًا.

على الجهة الأخرى، يبقى نضال المرأة لنيل مكانتها في مجتمع ذكوري غير متقدم لا يطبق حتى ما يأمره به دينه هو نضالها المستمر قبل الثورة وأثنائها وحتى بعدما نستطيع بإذنه تعالى إنجاحها.

حول فكرة الحرية، قرأت روايتين قديمًا وأعدت قراءتهما مؤخرًا، لكن انطباعي عنهما ظل واحدًا. لم أستطع إلا أن أجد تشابهًا ورابطًا كبيرًا بين روايتي “الباب المفتوح” للعظيمة لطيفة الزيات – والتي قدمتها فاتن حمامة وصالح سليم في فيلم سينمائي رائع - و”دارية” للموهوبة سحر الموجي، إذ يرتكز العمل الروائي في الروايتين على بطلة أنثى تبحث عن ذاتها وتسعى لتحقيق أهدافها وتحارب في سبيل ذلك أعراف المجتمع وضغوطه وقيوده بجانب محاربتها لضعفها هي ذاتها تجاه خطوة التغيير.

إلا أنني وبلا جدال أحببت “الباب المفتوح” أكثر بكثير من “دارية” لا لضعف الثانية ولكن لسمو هدف الأولى. يكمن التشابه في الروايتين في قدرة البطلة في نهاية رحلة كفاح مع ذاتها حينًا ومع المجتمع حينًا آخر على الحصول على حريتها لتجد مع تلك الحرية ذاتها التائهة وتضع هدفًا يمكنها أن تحيا من أجله.

يظهر الاختلاف في قدرة كاتبة “الباب المفتوح” على أن تقدم لنا مفهوم الحرية بصورها المختلفة بأن ربطت بين حرية الفرد وحرية الوطن، كما قدمت لنا قصة حب جميلة طاهرة يود فيها الطرفان السمو بها وبأنفسهما – حب يرغب الكثيرون في إيجاد مثله، في حين ارتكزت الكاتبة في الرواية الثانية على مفهوم الحرية كمفهوم مطلق لا يحدده دين ولا شرع، حيث خرجت البطلة من زواج فاشل إلى قصة حب مع فنان بوهيمي لا هدف له لتجد نفسها أكثر حزنًا وإن علمتها التجربة بآلامها معنى حريتها، فتعلمت بذلك أن الحرية خط متلاحم مع المسؤولية.

الروايتان تستحقان القراءة وإن كنت لا أزال أرى أن الأدب الجميل هو كل ما يقدم لي فضيلة أو يحدوني عن رذيلة، وأشد ما يؤسفني أن تقدم لي أي رواية أو أي عمل أدبي أخلاقًا رذيلة كما لو كانت أمرًا طبيعيًا غير مستهجن أو مستقبح.

لطيفة الزيات تقدم لك قصة محكمة تنقلك لبعد زماني ومكاني، وتسرد على القارئ والقارئة أحداثًا قد يكون عاصرها أو قرأ عنها حسب عمره، لكنها تستطيع بحبكة مميزة أن تجعلك تحيا داخل إطار مجتمع كامل يعاني من احتلال وفساد بالإضافة لما يمارسه على نفسه من ضغوط. وتجعل القارئ قادرًا على فهم حجم المشكلة مدركًا لأهمية حلها.

أما سحر الموجي فهي كاتبة متميزة وصاحبة حرفية عالية، لكن ربما أختلف معها في نبرة الحرية المطلقة التي تتشدق كما بعض الكاتبات الأخريات، وربما يجد القارئ الأمر أكثر وضوحًا إن قرأ روايتها الأخرى "ن" إذ قدمت فيها حبكة روائية رائعة ومعلومات تاريخية جميلة وشخصيات شديدة العمق، في الوقت الذي فشلت فيه في أمرين هامين هما المضمون أو الهدف من العمل الأدبي أو الرسالة التي تريد إيصالها للقارئ، وفي أن يكون عملها من نوعية الأدب النظيف.



ليست هناك تعليقات: