٢٦‏/٠٧‏/٢٠١٢

شعر ذهبي


رأيتها
صبية بهية رقيقة جميلة
منكسرة
ذات شعر ذهبي حريري
وعينين بلون السماء الصافية
لكنهما حزينتين، يملؤهما الأسى والترقب والخوف من المجهول
خفق لها قلبي بشدة واعتصره الأسى
ما بال طفولتها مُلأت أسىً وحزنًا بدلاً من الفرح؟
ما بال طفولتها سادها قلقٌ بدلاً من المرح؟  

صعدت لعربة الترام ومعها أمها، امرأة أربعينية تشبهها كثيراً، وإن كان الزمن قد التهم من جمالها الكثير. تمسك بيد ابنتها وتضغطها بحنان لتهون عليها أمرًا ما، والصغيرة زائغة النظرات لا ترى شيئاً تتشبث بيد أمها كأنها طوق نجاة يحميها
على العينين الصغيرتين طبقة كثيفة من دموع حزن، وألم، وانكسار، وخوف.
اقتربت منهما لا أدري بأي دافع؟ هل هو دافع الشفقة أم الفضول؟
لا أدري لم كنت توّاقة لمعرفة سر حزن هذه الصغيرة؟
كان الفضول يلتهمني بشدة
اقتربت أكثر وأكثر وحاولت استراق السمع إلى الهمس الدائر بينهما
- لست الأولى بين إخوتك يا حبيبتي
- لكنني لا أريد
- نحن لا نعرف مهنةً غيرها، فلسنا أغنياء يحمينا المال، ولا أصحاب علم فيرفعنا العلم
- أخاف أن تضربني أو تقسو عليّ
- لقد أكدوا لي أنها شديدة الطيبة وأنها ستعاملك كما لو كنت ابنتها
- لكني أريد أن أبقى معك يا أمي
- سأراك في منتصف كل أسبوع، وستقضين نهايته معنا، والآن أريد أن أراك كما اعتدتك ... شجاعة... وقوية... وأمينة...  أمينة أتفهمين يا صغيرتي؟
لم تقو صغيرتها على الرد فقد غلبتها دموعها الغزيرة، فهزت رأسها الصغير وأدارته لتبعد نظرها عن الوجه الحبيب الذي تخشى أن تفارقه.

 توقف الترام وهبطت. حاولت أن أصرف ذهني عن كل ما حدث. إن لدي مهامًا عديدة قبل عوّدتي للمنزل. كنت أريد شراء هدية لوالدتي، ولعباً لابنتي، وكتباً لي.
ترى هل اشترت لها أمها لعباً يومًا ما؟
هل مارست حقها في اللعب والمرح؟
لم استطع شراء أي شيء. كنت كلما التفتّ لشيء أرى طيفها يلاحقني
رأيت ذات الملامح الجميلة الحزينة
في وجوه الصغار من حولي، وفي واجهات المحال التجارية
عدت لمنزلي شديدة الإنهاك خائرة القوى كما لو كنت أعدو في طريق طويل.
قابلتني صغيرتي واحتضنتي فقبلتها.. وتذكرتها .. تلك الصغيرة لن ترى أمها كل يوم كصغيرتي التي لا تقوى على فراقي.
- أمي لم تأخرت كل هذا الوقت؟ إنّ جدتي تنتظرك هنا منذ فترة
- حقاً وأين هي؟
- في غرفة المعيشة
- أهلاً أمي ... كيف حالك؟
احتضنت أمي بشدة...وتذكرتها
- لم تأخرت يا عزيزتي؟ لقد جئتك بالخادمة الجديدة ...إنها فتاة ممتازة ومهذبة وأمينة
- حقاً يا أمي! أنني في أشد الحاجة إليها، فمنذ تزوجت أمل وتركتنا وأنا أجاهد للتوفيق بين العمل والمنزل.
- ولاء..... تعالي يا صغيرتي
وقدمت ولاء
رأيتها
صبية بهية رقيقة جميلة
منكسرة
ذات شعر ذهبي حريري
وعينين بلون السماء الصافية
لكنهما حزينتين، يملؤهما الأسى والترقب والخوف من المجهول