٢٩‏/٠٦‏/٢٠١٢

عن الإدراك أتحدث

عن الإدراك أتحدث
 كثيرًا ما تبدو الحياة لنا الآن وقد كانت أكثر يسرًا في الصغر، لأنك تعتقد أن كثيرًا من الأمان والمسلمات تحيط بك، ولا تتعدى منغصات الحياة بعض من تأنيب أو لوم على علامات مدرسية أو عدم الموافقة على لعبة غالية الثمن أو نزهة ما، وحينها تبدو بالفعل منغصات كبيرة ومؤلمة وشديدة القسوة.

 ومنذ هذا العمر، ستعتاد على أن تحيط نفسك بكثيرٍ من السعادة والحب والأمان وبعض المسلمات التي ستكتشف مع مرور الوقت وامتداد العمر أنها كانت هالة جميلة خيالية وهمية في كثير من الأحيان، ذلك الوهم صنعته يداك رغبة في الشعور بمزيد من الحماية أو الأمان أو الفخر أو السعادة.

 تتكشف لك معانٍ كثيرة ومفاهيم عميقة لم يكن عقلك الصغير يدركها في طفولتك، ولم يكن النضج الذي تمتلكه كافيًا لاستيعابها في صباك وأولى سنوات شبابك. معانٍ عديدة تبدأ من كثيرٍ من حقائق الحياة، بدءًا من حقيقتك وحقيقة والديك وجديك ومعلميك، الذين غالبًا ما كنت تسبغ عليهم هالة من النقاء وطيفًا من الصفاء والمحبة وكأنك كنت تتصورهم من الأنبياء لتدرك في النهاية أنهم جميعًا بشر يخطئون ويصيبن.

 يتجلى هذا الاكتشاف في معنى الإدراك، إدراك حقيقة كل من حولك وما حولك لتفهم في النهاية أن هناك وجه آخر للحقيقة وراء الكواليس ووراء المظهر الخارجي: حقيقة متسقة حينًا وشديدة التناقض حينًا آخر، حقيقة مليئة بالخير حينًا ومليئة بمختلف أنواع الشرور حينًا آخر، وتجمع بين كل الخير والشر في تباين مريع أحيانًا أخرى.

 يتجلى ذلك الكشف الذاتي في درجة الوعي والإدراك
في معنى احترام الرأي الآخر حتى وإن كنت لا تقبله ولا تراه صحيحًا
في معنى التعايش
في معنى الرحمة والحب والإنسانية والاحترام والتقدير حتى لمن ترى أنهم مسيئون
في تصور اختلاف المفاهيم والمناظير وفهم ظروف الآخر ودوافعه حتى لو لم تتقبلها أو تستطع بها مسامحته
في معنى العطاء الذي لولاه لكانت الدنيا قد فنت تمامًا منذ وقت بعيد

حينها تدرك أنك قد كبرت... نعم كبرت ونضجت وتغيرت.
أنت الآن ترى ما لم تكن تراه من قبل أو ربما ما كنت تغمض عينيك عنه 
لقد كبرت وأصبحت شخصًا آخر تمامًا غير ذلك الطفل البعيد السعيد الغافل
أنا كبرت وأصبحت أخرى غير تلك السعيدة الغافلة

شكر خاص لثورة بدأت منذ عام ونصف ولا زالت مستمرة، كشفت فيها النقاب عن وجوه كثيرة وأفكار عديدة ونفوس نقية وأخرى مريضة وعلمتني بصفة خاصة الكثير. لقد كبرت في هذا العام والنصف أكثر مما فعلت منذ كان عمري 20 عامًا

شكر خاص لكتاب الثورة 2.0 الذي أراني أنني يمكن ألا أكره من أساء إلي وأكره فعله، وأفهم دوافعه حتى لو لم أتفهمها أو أقبلها أو أتفق معها وإن كان هذا ليس أمرًا يسيرًا

شكر خاص لروايات د. عز الدين شكري التي أرتني كيف يفكر الآخر باختلاف أفكاره وطريقه ونوازعه

29/6/2012

ليست هناك تعليقات: