استيقظت منتشية؛ يملؤها شعور بالأمل والحب والتفاؤل، شعورٌ أدهشها. ظنت أنها اليوم تحديدًا ستصحو وقد طفا حزنها على السطح؛ ذلك الحزن الذي لم تتمكن من التعبير عنه منذ شهور.
خرجت للشرفة التي تطل على الميدان الواسع الشهير، وجلست تتأمل المارة علّها تجد فيهم شيئًا يزيد من سعادتها. كان الميدان مزدحمًا كعادته في ساعات الصباح الأولى. في الشارع القديم، تقبع المدرسة العريقة تنتظر طلابها وطالباتها ليوم دراسي جديد، وهنا الطريق المؤدي إلى الجامعة. تسير أفواج الصبايا والشباب في الميدان ضاحكين متطلعين للحياة بعيون فيها من الأمل ما قد يملأ الدنيا بأسرها، أمل من لا يعلم المستقبل. يرتدي بعض المارة ثيابًا حمراء، ويحمل بعضهم ورودًا حمراء. في طرف الميدان، يظهر بعض الزحام حيث كشك الورود الصغير يزهو بزبائنه في هذا الصباح المميز.
في حجرتها امتدت يداها إلى الصندوق الكبير الذي تحتفظ به أسفل ثيابها. تحتفظ في هذا الصندوق بكل متعلقاتها وأوراقها وذكرياتها، ذكرياتها الجميلة التي لا تستطيع أن تصفها بأنها ذكريات قديمة لأن الذكريات لا تصبح قديمة إلا إذا ذهبت طي النسيان؛ أما ذكرياتها هي فلم تنس وربما لن تنسى قط. افترشت هداياه وبطاقاته ظهر الفراش في شكل تكرر كثيرًا في الأيام الأخيرة. في محاولةٍ منها لترتيبها، جعلت تُمسك بكل هدية وتتحسسها كما لو كانت طفلاً جميلاً، ثم تقرأ البطاقة المرفقة بها بعينين تومضان بسعادة غامرة. كانت تستعيد كل لحظة مضت مع كل هدية تفض غلافها وتقرأ بطاقتها. مرت عيناها على بطاقات كثيرة؛ بطاقاتٍ مست روحها، لكنّ عيناها تعلقت بإحداها دون الأخريات. قرأتها المرة تلو الأخرى وتقلصت يداها على أطرافها كما لو كانت ستمزقها. على وجهها ارتسم تعبير مفزع لا تفسير له.
قالوا لم نرك تحب أحدًا كما أحببتها
قلت لم أر قبلها من يستحق
قالوا لم عاش حبكما طويلاً؟
قلت لم أر تربةً ترعى حبي كما رعتها
قالوا ألم يتسرب إليك الملل؟
قلت وهل يمل المرء من روحه؟
هي الأم التي تحنو وترعى
والأخت التي تساند وتدعم
والصديقة التي تشارك وتسمع وتتفهم
والحبيبة التي تعشق وتغرم
بل هي الهواء والماء
أصابتها رعشة، فاستلقت في فراشها محمومة. أخذتها غفوة قصيرة فزعت بعدها في حركة مفاجئة. وامتدت يداها تعيد كل ما أفرغه الصندوق من ذكريات.
في ركن الصندوق الأيمن، قبعت ورقة كبيرة تجاهلتها: ورقة رسمية بعثها لها مع رسالة قصيرة ينبأها فيها أنه يأسف على كل شيء، لكنه لم يعد قادرًا على الاحتمال فقد أصبح يشعر بالملل.
خرجت للشرفة التي تطل على الميدان الواسع الشهير، وجلست تتأمل المارة علّها تجد فيهم شيئًا يزيد من سعادتها. كان الميدان مزدحمًا كعادته في ساعات الصباح الأولى. في الشارع القديم، تقبع المدرسة العريقة تنتظر طلابها وطالباتها ليوم دراسي جديد، وهنا الطريق المؤدي إلى الجامعة. تسير أفواج الصبايا والشباب في الميدان ضاحكين متطلعين للحياة بعيون فيها من الأمل ما قد يملأ الدنيا بأسرها، أمل من لا يعلم المستقبل. يرتدي بعض المارة ثيابًا حمراء، ويحمل بعضهم ورودًا حمراء. في طرف الميدان، يظهر بعض الزحام حيث كشك الورود الصغير يزهو بزبائنه في هذا الصباح المميز.
في حجرتها امتدت يداها إلى الصندوق الكبير الذي تحتفظ به أسفل ثيابها. تحتفظ في هذا الصندوق بكل متعلقاتها وأوراقها وذكرياتها، ذكرياتها الجميلة التي لا تستطيع أن تصفها بأنها ذكريات قديمة لأن الذكريات لا تصبح قديمة إلا إذا ذهبت طي النسيان؛ أما ذكرياتها هي فلم تنس وربما لن تنسى قط. افترشت هداياه وبطاقاته ظهر الفراش في شكل تكرر كثيرًا في الأيام الأخيرة. في محاولةٍ منها لترتيبها، جعلت تُمسك بكل هدية وتتحسسها كما لو كانت طفلاً جميلاً، ثم تقرأ البطاقة المرفقة بها بعينين تومضان بسعادة غامرة. كانت تستعيد كل لحظة مضت مع كل هدية تفض غلافها وتقرأ بطاقتها. مرت عيناها على بطاقات كثيرة؛ بطاقاتٍ مست روحها، لكنّ عيناها تعلقت بإحداها دون الأخريات. قرأتها المرة تلو الأخرى وتقلصت يداها على أطرافها كما لو كانت ستمزقها. على وجهها ارتسم تعبير مفزع لا تفسير له.
قالوا لم نرك تحب أحدًا كما أحببتها
قلت لم أر قبلها من يستحق
قالوا لم عاش حبكما طويلاً؟
قلت لم أر تربةً ترعى حبي كما رعتها
قالوا ألم يتسرب إليك الملل؟
قلت وهل يمل المرء من روحه؟
هي الأم التي تحنو وترعى
والأخت التي تساند وتدعم
والصديقة التي تشارك وتسمع وتتفهم
والحبيبة التي تعشق وتغرم
بل هي الهواء والماء
أصابتها رعشة، فاستلقت في فراشها محمومة. أخذتها غفوة قصيرة فزعت بعدها في حركة مفاجئة. وامتدت يداها تعيد كل ما أفرغه الصندوق من ذكريات.
في ركن الصندوق الأيمن، قبعت ورقة كبيرة تجاهلتها: ورقة رسمية بعثها لها مع رسالة قصيرة ينبأها فيها أنه يأسف على كل شيء، لكنه لم يعد قادرًا على الاحتمال فقد أصبح يشعر بالملل.