٢٨‏/٠٦‏/٢٠٠٧

روايتي والحافلة


أصحو كعادتي شبه نائمة تتراوحني رغبتان بين العودة للنوم والنهوض لأعمالي
أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن الكسل وأنهض بصعوبة لأغسل وجهي وأنظر لعينيّ المرهقتين

دائمًا ما أشعر أنهما عينا مدمنة
فهما على الدوام متعبتان
منهكتان
ذابلتان
متحلقتان دوما بالسواد

في الصالة أجد جدتي تصلي الضحى
· صباح الخير يا نينا
· أهلًا ياحبيبتي
· ادعي لي
· ربنا يقبل. هو أنا لي غيركم ادعي له. ربنا مع كل البنات والشباب لجل خاطركم

أجهز لها إفطارها وأتناول أنا إفطاري فيما أرتدي ثيابي
على الباب تودعني دعواتها الحارة وتلوح لي من الشرفة حتى أختفى تمامًا عن أنظارها

كم هي حنونة هذه المرأة وكم افتقدتها لسنوات

أنتظر رفيقي الميكروباص
يأتي العديد منه، كلٌ ممتلئٌ عن آخره
في الأفق ألمح حافلة خضراء كبيرة
وعلى اللافتة، أقرأ " السيدة عائشة"

أتردد للحظة
لا أحب الحافلات الكبيرة
لي معها ذكريات غير محببة
معاكسات ومحاولات دنيئة مرات
وسقوط فجروح مرة
بعدها قررت ألا أركب أيًا منها قط
أراها شبه خاوية
أردد دعاء الاستخارة وأتوكل على الله وأصعد
أبحث بعيناي عن مكان مناسب
ألمح مكانًا فارغًا بجانب فتاة
أجلس بجانبها
أدفع ثمن تذكرتي
أخرج رواية "شراع أبيض" وأشرع في القراءة
لا أدري كيف شعرت بتوتر الفتاة الشابة بجانبي
يلتفت لها الشاب الجالس أمامنا
يحادثها أو يكمل حديثًا كان قد بدأه معها
يحاول التعرف عليها بأسلوب ظنه لطيفًا ورأيته مستهلكًا مبتذلًا
تنظر لي مرة وللنافذة مرات
ترد عليه باقتضاب
يروي لها في سخف عن كليته وامتحاناته
يذكر لها رقم هاتفه
لا تدونه
تأتي محطته
يودعها مبديًا تفاؤله لمعرفتها
تبتسم بغيظ
أنظر إليها بطرف عيني
أرى تذكرتها قد تمزقت من فرط ضغط أصابعها المتوترة

أعاود القراءة
في الخلف صبية يصرخون
يضحكون
يمزحون
ويزعجون الجميع

يصرخ فيهم السائق
أسمع عجوزًا وراءي يقول: كلاب ضالة
ابتسم وأشرد
هو عين التعبير الذي يستخدمه أبي مع أخي الصغير ورفاقه
الكلاب الضالة تقتل في الشارع
يتركونها هناك
لتأتي كل المنظمات الحقوقية وتملأ الدنيا ضجيجًا
أما هؤلاء...
فإن الدولة
تقتل آمالهم
أحلامهم
طموحاتهم
أفكارهم
وتتركهم
بل تترك كل الأمة كجثة ملقاة في الطريق ليس هناك من ينظر لها أو يبكي عليها

· لو سمحت
· نعم
· أركب أيه للعباسية؟
· يااه طب ليه ما ركبتيش من المقطم لمدينة نصر كان أقرب
· أنا مش من المقطم عشان كده ما أعرفش
· لما ننزل أوريك

تنظر لي بامتنان وتعاود النظر في النافذة
أعاود القراءة
لحظات ونصل
لا أتركها إلا بعدما أريها المكان
تشكرني بحرارة وخجل
تلوح لي مبتعدة
أتجه نحو عربات الجيزة
فجأة
أكتشف أنني نسيت الرواية في الحافلة!!
ألم أقل منذ البداية ؟
لي معها ذكريات غير محببة

هناك ٤ تعليقات:

قلمي الحر يقول...

حلوة جدا
بس قولي لي دي حقيقة
ولا قصة قصيرة
بستعرفي ماكناشمفروض تركب اصل العربيات دي منحسةواضح معها

عصفور طل من الشباك يقول...

والله هي مزيج من مواقف حصلت لي ومزيج من قصة قصيرة

عمر عاشق القرآن يقول...

جميلة وتحسى انها واقعية اوى .. أسلوبك حلو

l0ma يقول...

حلوة قوى
عاجبنى قوى اسلوبك فى السرد ممتع وفية حاجة جذابة كدة تسى انك عايزة تانى
جميلة اوى :]